-->
مجلة شافا مجلة شافا

الجبال والتدهور البيئي في شمال إفريقيا

الجبال والتدهور البيئي في شمال إفريقيا

مقال: ع، لعوينة

لقد أدت الجبال في شمال إفريقيا دوراً أساسياً على المستويات الاقتصادية والسياسية والثقافية. وهي تمثل الآن ذخيرة بيولوجية وتراثاً اجتماعياً، من المستعجل تنميته قصد تخطي أشكال الانزواء الذي صار يعيشه المجال الجبلي منذ الحماية الأوروبية.

تحتوي الجبال على تنوع هائل في أشكال استعمال التربة والثروات، وغالباً على كثافة في الاستيطان والاستغلال، مع تكيفات عجيبة إزاء متطلبات البيئة وحدودها. وقد ساد هذا الوضع قبل القرن العشرين مع توازنات بيئية حصل عليها الإنسان بفضل استصلاحات متقنة. إلا أن هذا التوازن هش، تهدده باستمرار كل الطوارئ التي تنتج عن تحولات عنيفة هي نفسها متزنة، تراعي هشاشة البيئة. فقد كان هذا الاقتصاد يعتبر اقتصاد قلة، ينبني على الاستهلاك الذاتي للثروات المحلية، وعلى بعض المداخيل الخارجية. ومن بين هذه المداخيل الخارجية تجارة صغرى مع المجالات السهلية المجاورة.

فالمجال الجبلي مجال طبعه الإنسان بطابع خاص بفضل مجهودات متواصلة تهدف إلى التحكم في القوى الطبيعية وإلى تدبير متزن للموارد. ولذا من الممكن الحديث عن حضارة زراعية ورعوية تخطت الصعوبات البيئية واعتمدت أساساً على المورد البشري، أي على إبداعية وروح خلاقة تمكنت من ابتكار الحلول الملائمة، وتنظيم اجتماعي محكم، به تقنين داخلي واتفاقات شفوية هدفها استمرار النشاط وتواصل الاستغلال.

وتعيش هذه الحضارة اليوم أزمة تهميش، يتمثل أحد مظاهرها في تدهور الموارد والاتكال على الموارد الخارجية إضافة إلى الهجرة.

وقد سعت عدة تجارب إلى حل معضلة الجبال دون أن تنجح في ذلك.

يعتمد النظام التقليدي على حرية ولوج الموارد الطبيعية واستغلال جزء منها، مع تقنين جماعي لهذا الولوج. وأتت قوانين الغابة بعد التعمير الأوربي لاقتطاع المجال الغابوي من المساحة الجماعية مع ضبط إمكانات استغلالها؛ كما عمل التعمير على الحد من مجال تحرك القبائل، وذلك بالاستيلاء على أجواء الأراضي التي كانت تمثل أراضي تكميلية.

وبينما ألحت المشاريع الأولى للإعداد على هدف الحدّ من التدهور، صارت الأهداف الإنمائية في المقدمة ابتداء من الثمانينيّات؛ كما أن محاولة احتواء التعقيد الملاحظ في الأوضاع السوسيولوجية وإشراك السكان في مشاريع التهيئة مثلت تقدماً كبيراً، وأصبحت أهداف الرفع من الإنتاج عن طريق سن تقنيات جديدة تثير انتباه السكان وتضمن اهتمامهم.

وقد كان النظام الجماعي هو السر في نجاح هذا الاستغلال المتزن للثروات حيث يسمح التقنين، المبني على تقاليد ومعاهدات شفوية غابرة في القدم، بوضع المنهاج المتقن الذي يسير عليه استعمال الثروات المتوافرة. كما ترتكز الحضارة الزراعية والرعوية الجبلية على الثروات البشرية، أي على إبداعية السكان وروحهم الخلاقة.

ويلاحظ الآن أن هذا التوازن الهش قد تم تحطيمه، حيث تعرف جبال شمال إفريقيا مرحلة تراجع سريع تتضح على مستويات عدة: فالغابة صارت لا تغطي إلا بقعاً محدودة يتقلص مجالها بسرعة مهولة، وآليات الانجراف تقتلع التربة وتحفر في الركائز الصخرية؛ بينما صارت مياه الأنهار محملة بالأطنان من المواد الفتاتية التي تتراكم في السافلة عند قدم الجبال أو في بحيرات السدود، مهددة بذلك إمكانات الزراعة والثروات المائية القابلة للتعبئة. هذه الأزمة الحالية لها خلفيات اقتصادية واضحة. ومن العسير استصلاح المجال الجبلي من جهة، ومجال سهول قدم الجبال من جهة أخرى، دون التفكير في ظروف هذه الأزمة ودون وجود حلول ملائمة لها.


التعليقات



إتصل بنا

أقسام المدونة

شــــــافا - CHAFAA

تواصلوا معنا عبر البريد الإلكتروني الخاص بالمجلة:
Chafaa.org@gmail.com

أو راسلونا على صفحتنا الرسمية على الفيسبوك:
Chafaa.org@

أرشيف المدونة الإلكترونية

جميع الحقوق محفوظة

مجلة شافا

2020